يعد نموذج مارزانو لأبعاد التعلم من النماذج الحديثة في مجال التدريس بوجه عام وتدريس العلوم بوجه خاص، فقد قدم الباحث التربوي الأمريكي والرئيس التنفيذي لشركة مارزانو للأبحاث (Marzano Research) روبرت مارزانو (Robert J. Marzano) نموذجاً تعلميا مشتقاً من نتائج البحوث والدراسات في مجال التعلم المعرفي، أطلق عليه اسم «نموذج أبعاد التعلم»، يستطيع أن يستخدمه المعلمون من مرحلة رياض الأطفال حتى نهاية المرحلة الثانوية، بهدف أن يصبح طلابهم قادرين على تطوير أنفسهم وقدراتهم العقلية من خلال تنمية التفكير لديهم.
يمكن تعريف نموذج مارزانو لأبعاد التعلم (Marzano’s Dimensions of Learning Model) على أنه نموذج تدريس صفي يتضمن كيفية التخطيط للدروس وتنفيذها وتصميم المنهج التعليمي وتقويم أداء الطلاب. وبتعريف آخر، هو مجموعة الإجراءات والممارسات التدريسية الصفية التعليمية التعلمية التي يتبعها المعلم وطلابه بهدف اكتساب واستيعاب وفهم وتعميق المعرفة وتكاملها واستخدامها على نحو له معنى. ويستند نموذج أبعاد التعلم إلى الفلسفة البنائية (Constructivism)، حيث يعتبر مارزانو أن المعرفة السابقة هي نقطة البداية التي يبني عليها الطالب خبراته وتفاعلاته مع عناصر ومتغيرات العالم من حوله. ويشير النموذج إلى أن التعلم هو نشاط مستمر يقوم به الطالب عندما يواجه مشكلة أو مهمة تمس حياته، فتولد لديه طاقة ذاتية تجعله مثابراً في سبيل الوصول إلى حل هذه المشكلة وإنجاز تلك المهمة. وبناء على هذا النموذج، فإن عملية التعلم تتطلب وتتضمن التفاعل بين خمسة أبعاد من التعلم، هي: اتجاهات وإدراكات إيجابية عن التعلم، وتفكير مندمج في اكتساب المعرفة وتكاملها، وتفكير مندمج في توسيع المعرفة أو مدها وتنقيتها وصقلها، وتفكير مندمج في استخدام المعرفة استخداماً ذا معنى، وعادات عقلية منتجة.
ففي البعد الأول، الاتجاهات والإدراكات الإيجابية عن التعلم، يتم الوقوف على تعلم الطلاب السابق وجذب انتباههم نحو الموضوع، وتحفيزهم له من خلال طرح أسئلة تجعل الطلبة يفكرون، أو من خلال طرح موقف عملي أو مشكلة تثير تفكيرهم وتجعلهم يجدون بالبحث عن حل لها. وفي البعد الثاني، اكتساب المعرفة وتحقيق تكاملها، يتم استخدام الأساليب والأنشطة المناسبة حتى يمتلك الطلاب المعلومات الجديدة ويربطونها بالتعلم السابق، وباستخدام التعلم التعاوني يتم البحث والتقصي عن المعلومات الجديدة من خلال إجراء عرض عملي أو تجربة أو مناقشة وحوار، وتشجيع الطلاب أثناء النشاط وتوجيههم وإرشادهم. أما في البعد الثالث، توسيع المعرفة أو مدها وتنقيتها وصقلها، فيتم إجراء نشاط له علاقة بموضوع الدرس وتساؤلات مثيرة لتفكير الطلبة، وحثهم على إعادة صياغة المعلومات بشكل مناسب، وتصنيفها واستنتاج النتائج المهمة منها، وإقامة الدليل على صحتها، حيث يتم توجيه أسئلة متنوعة وبخاصة المفتوحة التي تثير التفكير وتنمي المعرفة لديهم.
وفي البعد الرابع، استخدام المعرفة استخداماً ذا معنى، فيتم نقل التعلم إلى الحياة من خلال أنماط ومهام حياتية ذات طبيعة تطبيقية، مثل: اتخاذ القرار، والاستقصاء، والبحث التجريبي، وحل المشكلات، والاختراع. لذلك، لا بد هنا من طرح أسئلة تحاول ربط ما تعلمه الطالب بحياته اليومية، مثل: ما أفضل الطرق لتحقيق كذا؟ وماذا يحدث لو أن كذا؟ وكيف تتغلب على العقبات التي كذا؟ بحيث يكون دور المعلم مساعدة الطلاب على تطبيق ما تعلموه بأنفسهم وتوجيههم إلى المواقف الحياتية التي يستطيعون من خلالها تطبيق ما تعلموه. أما في البعد الخامس، عادات العقل المنتجة، فيتم تدريب الطلاب على تنمية العادات العقلية من خلال تشجيعهم على التخطيط واستخدام المصادر، وتقييم أداءاتهم، والتميز بالدقة والوضوح والابتكار والمشاركة الفاعلة.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أبعاد التعلم الخمسة السابقة الذكر لا تعمل في عزلة، ولكنها تعمل معاً، فالتعلم كله يحدث على أساس اتجاهات الطالب وإدراكاته (البعد الأول)، واستخدامه لعادات العقل المنتجة (البعد الخامس)، فالبعدان الأول والخامس عاملان دائمان من عوامل التعلم، فعندما تتوافر الاتجاهات والإدراكات الإيجابية، ويتكون لدى الطالب عادات عقلية منتجة، فإنه يستطيع حينئذ اكتساب معرفة جديدة، ثم يعمل على تكاملها (البعد الثاني)، ويوسع ويمد معرفته ويصقلها (البعد الثالث)، ويستخدم المعرفة استخداماً ذا معنى (البعد الرابع)، ولذلك يعتبر أكثر أنواع التعلم فاعلية هو الذي يتيح تفاعل هذه الأبعاد الخمسة معاً، بمعنى هو الذي يحقق نموذج مارزانو لأبعاد التعلم.
رأيك عن الموضوع هو: