المدخل الإنساني في المناهج
بقلم: أكرم فروانة
في كثير من البلاد كانت مساعي التعلم هو العودة بالأفراد الى الفطرة السليمة الخيرة والقادرة على معاونة الفرد ليكون شخص فعال في المجتمع والبيئة المحيطة به، إلا أن واقع المخرجات التربوية في مجتمعنا وخاصة على الجانب الإنساني تشير إلى أنه لا يحظى بالاهتمام الكافي فجاء المدخل الإنساني ليساعد في نمو الشخصية والاستقامة والاعتماد على الذات والاتجاهات السليمة نحو الذات والأقران، حيث يُعد إدراك الذات وحقيقتها جوهر المدخل الإنساني، كما أنه يساعد على الاتصال والتواصل مع الآخرين، كونه يتيح إليه الفرصة بالتعبير والتصرف والحرية والحصول على التغذية الراجعة التي تسهم في تعديل السلوك، وإقامة علاقات اجتماعية تقوم على المودة والمشاركة في النهوض بالمجتمع الذي نعيش فيه.
نبذة تاريخية عن المدخل الإنساني:
نشأ المدخل الإنساني كنتيجة لنشأة المدرسة الإنسانية في علم النفس والتي ظهرت كحركة اعتراض على المدرسة السلوكية والتحليلية، لتُسهم في تنشئة التلاميذ من عدة جوانب، كما أنها تجعل التعلم أكثر إنسانية واحترامًا لقيمة المتعلم واستعداداته وقدراته وإمكاناته.
ويعتبر ” ماسلو ” أشهر علماء النظرية الإنسانية بمفهومه الخاص عن تحقيق الذات في كتابه نحو علم نفس الوجود، و”روجرز” الذي أشار إلى ضرورة النمو الاجتماعي، وتنمية مهارات الاتصال بالآخرين، ويشترك كل من “ماسلو” و “روجرز” في التركيز على أهمية التعلم الذاتي، بحيث يتحمل المتعلم مسئولية تعلمه، ويكون أكثر استقلالية، وأن يكون دور المعلم ميسرًا للمتعلم، وليس مسيطرًا عليه.
مفهوم المدخل الانساني: هو مجموعة من الإجراءات والأساليب التي يتبعها المعلم في ضوء مراعاة حاجات التلاميذ الإنسانية وإدارة الصف الدراسي في إطار جودة العلاقات بين المعلمين وتلاميذهم وبين التلاميذ وبعضهم البعض. أو هو مجموعة من الخطوات التفاعلية بين المعلم والطالب تقوم على الفحص والتحليل الدقيق للمشاعر الشخصية والعلاقات والقيم الإنسانية.
خصائص المدخل الانساني:
1. أحد مداخل التدريس الذي يهتم بالعلاقات الإنسانية بمراعاة مشاعر وحاجات المتعلمين.
2. يراعي التكامل بين جوانب شخصية المتعلمين.
3. مراعاة التفاعل بين المعلم والمتعلم، وبين المتعلمين بعضهم البعض.
4. يُسهم في معرفة المتعلمين لذاتهم ويسعى لتحقيق الذات لديهم وان الاختلاف هو أساس الحياة.
5. يساعد في إكساب مهارات الاتصال والتواصل من خلال التفاعل المشترك.
6. المتعلم محور العملية التعليمية.
7. ينمي الجوانب الوجدانية لدى المتعلم.
أسس المدخل الإنساني:
1. الأساس السيكولوجي: مراعاة طبيعة المتعلم النفسية باعتبارها أحد الركائز المؤثرة في عملية التعليم والتعلم ومحققة لحاجات المتعلم مراعية لقدراته واستعداداته ومشاعره وانفعالاته.
2. الأساس الاجتماعي: ممثلاً في تحقيق الذات وتنمية مهارات الاتصال بالآخرين، وشعور المتعلم أنه في بيئة صفية آمنة خالية من التهديد وكلمات التوبيخ أو تقديم النصح أمام الآخرين.
3. الأساس المعرفي: فالمدخل الإنساني يعتمد على التعلم ذي المعنى، من أجل بناء معرفة جديدة نابعة من معرفة سابقة.
دور المعلم في المدخل الإنساني:
1. التعرف على حاجات واهتمامات المتعلمين.
2. مساعدة المتعلمين على تحديد أهدافهم في عملية التعلم.
3. توجيه وإرشاد المتعلمين لفهم المادة التعليمية.
4. تحديد مدى استعداد المتعلمين لتعلم المادة الدراسية.
5. استثارة جوانب الفضول والاستطلاع لدى المتعلمين بطرح أسئلة تتطلب الاكتشاف والابتكار.
6. الارتباط والتقرب من التلاميذ بهدف إزالة الخوف والقلق.
7. أن يحقق التوازن بين التعلم الاستقلالي والتعاون الجماعي.
8. أن يكون مرشدًا ومساعدًا ليس ناقلًا للمعرفة.
9. أن يدعم زيادة التفاعل والعلاقات الإنسانية بين المتعلمين، وربط خبراته الجديدة بالسابقة.
عناصر المنهج في ضوء المدخل الإنساني:
ينعكس المدخل الانساني بشكل واضح على عناصر المنهج كما يلي:
أولاً: الأهداف:
1. تزويد المتعلمين بالخبرات الأساسية التي تسهم في تحرره وتحقيق نموه الشخصي.
2. يضع أهداف واضحة لكل من الطالب والمعلم لإثارة دافعيته نحو التعلم.
3. تتمحور الأهداف حول فكرة تحقيق الذات، وهي حاجة أساسية وذلك لأن كل متعلم له ذات ليست بالضرورة واضحة له، الأمر الذي يستلزم معه ضرورة مساعدته على أن يكتشف ذاته من أجل تحقيق نموها وتعلمها.
ثانياً: المحتوى:
1. المحتوى مرتبط بحياة المتعلمين الواقعية.
2. يتم اختيار المحتوى على أساس إشباع الاهتمامات الفردية للمتعلم.
ثالثاً: طرق التدريس:
1. يستخدم طرق تدريس يكون فيها دور المتعلم فعال ونشط، لانه محور عملية التعلم
2. استخدام طرق تشجع المتعلمين على المشاركة وابداء الرأي بالتعلم التعاوني.
رابعاً: الأنشطة التعليمية:
1. ارتباط الأنشطة ارتباطاً وثيقاً بالأهداف سابقة التحديد.
2. أن تكون الأنشطة تحمل قيمة في ذاتها، وتقدم إسهامًا نحو تحقيق قيم مستقبلية.
3. يقدم المعلم الإنساني أوجه النشاط التي تسمح للمتعلمين بممارسة طرق مفيدة بديلة في التعامل أو السلوك، مثل الألعاب الجماعية، المشاريع الجماعية، الرحلات.
خامساً: التقويم:
التقويم غالبًا يتم في ضوء منظومة التقويم الذاتي، ويؤكد على النمو، بصرف النظر عن كيفية قياسه أو تحديده، لأنه يؤكد على عملية التعلم بدلا من ناتج التعلم، ويعتمدون على التقديرات الذاتية للمتعلم.
نماذج التدريس الإنسانية:
نموذج التدريس غير المباشر:
يُعرّف هذا النموذج بنموذج التدريس الموجه ذاتيًا ويستهدف تيسير التعلم الخبري الذي يأخذ معنى شخصيًا عند المتعلم، فالتعلم عند روجرز نوعان: يتمثل الأول في التعليم عديم المعنى، أي التعلم الآلي وهو السائد في مدراسنا والذي ينتهي أثره بالخروج من قاعة الاختبار، أما النوع الآخر من التعلم الخبري الذي يحدث في الحياة اليومية، ويتعلق بشخصية الفرد، وهو تعلم سريع ومستمر. لذا يرى روجرز ان التعليم يجب أن يبنى على علاقات انسانية لا على مفاهيم المواد الدراسية لضمان استمراريته وزيادة أثره.
افتراضات النموذج:
– يتفاعل الفرد مع ذاته، بحيث يوجهها، ويقومها، ويكتشفها بنفسه.
– يتم اكتساب المعرفة بواسطة المتعلم ويستند في ذلك إلى رغباته.
– الدافعية نحو التعلم نابعة من حب الاستطلاع التي تستند إلى المشاعر والقيم والآمال.
– يقوم الفرد باتخاذ قراراته بنفسه فيما يتعلق بتعلمه وإدارة شئونه.
– تسهم العلاقات الإنسانية في مساعدة الفرد على النمو والتطور.
– تسهم البيئة التعليمية في توفير الظروف والمناخات الملائمة للنمو والتطور.
– يستهدف التعلم تقدير الذات وتحقيقها.
– تُحدد المشكلة التي يواجهها الفرد من قبله، وتُبنى الحلول المناسبة وفق قدراته.
مراحل النموذج:
المرحلة الأولى: تحديد حالة المساعدة: يقوم الطالب بتحديد الموقف، والخبرة ونوع المساعدة التي يريدها.
المرحلة الثانية: استقصاء المشكلة وتحديدها: يقوم المعلم في هذه المرحلة بتقبل مشاعر الطالب ومساعدته على تعريف المشكلة وتحديدها.
المرحلة الثالثة: تنمية الاستبصار: يتم تجهيز الطالب في هذه المرحلة الى فهم ذاته وكشف العلاقات بين مجموعة خبراته، لهذا يحتاج المتعلم أن يكون أكثر ضبطًا لعملياته التعليمية والفكرية والانفعالية والاجتماعية
المرحلة الرابعة: التخطيط واتخاذ القرار: يوضح المعلم المشكلة وبدائلها ويترك المجال للمتعلم لإجراء التخطيط واتخاذ القرار المناسب.
– المرحلة الخامسة: التكامل: يقدم الطالب في هذه المرحلة تقريرًا عن أعماله التي قام بها، وينمي استبصارًا وخططًا أكثر تكاملًا، كما يصدر أفعالًا أكثر إيجابية.
دور الطالب في إطار النموذج:
– فهم ذاته وصيانتها وتحقيقها والقدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار.
-ممارسة عملية استبصار الموقف والمشكلة والخبرة.
-المبادرة والنشاط في الموقف التعليمي التعلمي.
-ممارسة الخبرة والتعلم التفاعلي الخبراتي والاشتراك في تخطيط الموقف التعليمي.
-اختيار موضوع التعلم وخبراته.
-الالتزام بقوانين ومعايير الصف المفتوح.
دور المعلم في إطار النموذج:
– وسيط تربوي: يسهل ظروف التعلم امام المتعلم.
– مساعدة المتعلم بطريقة غير مباشرة من خلال التوجيه المركز على المتعلم أو حاجاته.
– خبير: إذ يتقبل جميع المشاعر والأفكار التي يخفيها الطالب.
– متعاون: حيث يساعد الطالب على اكتشاف نفسه وحل مشكلاته.
– ناصح: حيث يساعد الطالب على اختيار واكتشاف موضوعات التعلم.
– مشجع: يشجع المتعلم على التعبير عن مشاعره نحو مدرسته ونفسه والآخرين.
أسلوب التقويم: ليس بالإمكان استخدام اسلوب التقويم الموضوعي في المدخل الانساني، لذلك يلجأ الى عقد اتفاق بينه وبين الطالب يحدد من خلال المهمة المطلوبة منه ومراحلها وتاريخ التسليم ويراعي المعلم الفروق الفردية للمتعلمين في الاتفاق لإتمام التعلم بسرعته الخاصة.
ايجابيات المدخل الإنساني:
– يجعل المدخل الانساني من المتعلم عنصر فعال في العملية التعليمية لتحقيقه لذاتية المتعلم أثناء عملية التخطيط للتعلم.
– زيادة قدرات المتعلمين على التفكير الإبداعي لدى المتعلم، لدفع عجلة حياتهم الشخصية والمجتمعية نحو التجديد والتطوير.
– التعامل مع المتعلم على انه كيان متكامل بين مجاله المعرفي والوجداني والمهاري، فحرص المدخل الإنساني على تحقيق ذلك أثناء تفاعل المتعلم مع المواقف التعليمية والتربوية المختلفة.
– يسهم في إقامة علاقات طيبة بين المتعلمين والمعلمين وبين المتعلمين بعضهم البعض من خلال إعطاء الفرص لهم للتعبير عن مشاعرهم والتعاون فيما بينهم.
سلبيات المدخل الإنساني:
– في بعض الأحيان تدور ميول المتعلمين حول موضوعات ليست مفيدة تربوياً.
– عدم انتظام ترابط الخبرات بشكل جيد ولا يتعمق في المعلومات بشكل كافي.
– يركز المدخل الانساني على ميول المتعلمين الحالية فقط فيهمل الماضي والمستقبل.
– إهمال حاجات المجتمع ومطالبه ومشكلاته.
– لا يمكن تحقيق الفردية أثناء التعلم مع اكتظاظ الفصول الدراسية.
رأيك عن الموضوع هو: